يوميات مضيفة طائرة
الجزء 12
أفراح مجروحة
رغم أفراح سحر التي لامست النجوم عندما حققت حلمها الكبير في خطوبتها إلى لويس، لكنها بصراحة فرحة مجروحة، لأن لويس يرمي قلبها بسهام جارحة بحسن نية...
اكتشفت سحر بأن كلام الحب الذي يغازلها به خطيبها ليس لها، إنما هو مناجاة جورجيت باللاوعي. وأدركت ايضاً بأن لويس يعيش مع جورجيت بشكل دائم
وخاصة بعد الاتفاق على الخطوبة هو وسحر استيقظ الماضي كله دفعة واحدة...وهو بحسن نية جعل من سحر جورجيت ثانية...
حتى عندما يمسك يدها، كأنه يمسك يد جورجيت، ولا يريد أن يفلتها وعندما يرتشف القهوة مع سحر، هي تشعر بأنه يجالس جورجيت، لا يجالسها هي...
وسحر المسكينة تتناسى آلامها وتعذر حبيبها وتقول عذاباته كبيرة وآلامه عميقة، لكن لا بد أن أجعله يستيقظ...
ذلك المساء، ذهبت سحر ولويس إلى مدينة الملاهي ولم يتركا لعبة إلا وشاركا فيها، وأغلبها تبعث على الخوف من ارتفاعاتها الشاهقة، أومن انحداراتها المخيفة، أو من قطار الانفاق السريع وظهور اشباح كهربائية مرعبة والعاب كثيرة أخرى متنوعة مخيفة...وكانت سحر كلما خافت من وضعية ما، تغمر لويس وتضع رأسها على صدره كأنها تستنجد به من تلك المخاطر المرعبة...أو ربما افرحتها هذه المخاوف التي جعلتها تضم لويس وتحتمي به، والحقيقة كانت فرصة تعبر فيها عن مشاعرها التي وصلت إلى حدود السحاب...
دامت سهرتهما حتى الفجر، وعادا إلى الفندق وسحر مطمئنة لأن زميلاتها لسن موجودات في الصين تلك الليلة، ولن يلحظن غيابها مع شاب غريب. لا يعلمن من هو بعد.
سحر كانت تعيش فرحة ملأتها لحدود السماء...لكن الذي كان يخدش روعة افراحها هو حضور الراحلة جورجيت في كل مكان في بكين ولا يوجد مكان في بكين لا توجد فيه جورجيت... وحتى في مدينة الملاهي شعرت سحر وكأن لويس كان مع جورجيت وليس معها.
وجود جورجيت في لاوعي لويس ...كان السهم الذي يدمي قلب سحر، بينما لويس يشبه الورد الجميل، شوكه يجرح بينما هو لا يشعر بأنه يجرح ويدمي الآخرين.
فهمت سحر بأن لويس متشبث جداً بالمرحومة، لا يريدها أن تغادر...رغم وجود ساكن جديد جاء ليقطن مكانها...لكن يبدو لويس يريد الاثنتين أن تبقيا سوية، وكأنه يريد سحر أن تكون جورجيت... وجورجيت تكون سحر، كلتاهما واحدة في جسد واحد، روح جورجيت أسكنها جسد سحر...معادلة صعبة لا يمكن لها أن تثمر...
باتت سحر تلك الليلة باكية، بسبب الغائبة الحاضرة.
استيقظت بالظهيرة، نزلت إلى المطعم، وبينما كانت تحتسي القهوة، جاءت موظفة من قسم الاستقبال مبتسمة، وقالت هذه الرسالة لك من السيد لويس...
كتب لويس:
صباح الخير يا أغلى الناس حبيبة قلبي سحر...
انا آسف لم ارد ازعاجك من نومك، دعاني مدير المعمل لمعاينة أجهزة جديدة، آسف جداُ لأنك لست معي لكن تركتك ترتاحين بعد أفراحنا أمس...
كم أفرحتها هذه الكلمات وأنستها وجعها...
في الساعة الخامسة رجع لويس للفندق وقال:
لقد أخبرت مدير المصنع عن خطوبتنا، هو يهنأك وزوجته أصرت بأن نحتفل هذه الليلة بالمناسبة...
والآن، سنذهب إلى مكان لا بد من الذهاب إليه...
اقلتهما السيارة الفخمة، إلى أضخم دار أزياء في بكين، وقال لويس تفضلي اختاري أجمل ثوب سهرة تحبينه... اختارت سحر ثوب سهرة أسود طويل، وبعد ذلك ذهبا إلى جوهرجي أرشدتهما إليه زوجة مدير المصنع ليشتروا مصاغ ومحابس الخطوبة...
اختار العروسان محبسي الخطوبة، ورفضت هي أن تنتقي أي قطعة ماس أو ذهب، رغم الحاح لويس عليها. لكن لويس اختار لها عقد الماس حقيقي لتزين رقبتها... الجوهرجي رفض قبول قيمة المحبسين وقال هما هدية للخطيبين من زوجة مدير المصنع...
لويس ايضاً اشترى ثياباً انيقة بدا فيها انيقاً ووسيماً...
في المساء بعدما تزينت سحر ولبست الثوب الاسود الجديد، وطوق الماسي يزين رقبتها بدت فعلاَ اميرة رائعة الجمال بل ملكة من ملكات سورية...قال لويس: حبيبتي جورجيت أنت أجمل الصبايا...
صرخت سحر وقالت: أنا اسمي سحر...سحر...أنا لست جورجيت...جورجيت ماتت ألم تفهم بعد، وتساقطت الدموع من عينيها... وركضت أرادت الرجوع إلى غرفتها، لويس ركض خلفها وأخذ يقبل يديها ويترجاها أن تسامحه لخطأ حدث سهواً...
أقلتهما السيارة الفخمة إلى أحد مطاعم بكين الفخمة.
نهض مدير المصنع وزوجته لاستقبال العروسين بالمصافحة والقبل، وكلمات التهنئة الحارة...
في الحقيقية جميع الموجودين كانوا منتظرين قدوم العروسين، وبالفعل انبهروا من جمال سحر، وكذلك لويس العريس كان وسيماً بغاية الاناقة. فعلاً كانا يبدوان كأمير وأميرة...
جميع الحضور الذين كانوا موجودين حول الطاولة، هم من كبار رجال الصناعة، ومنهم معاون وزير الصناعة، ورئيس الغرفة الصناعية... والشابة الإعلامية وأغلبهم تعرفهم سحر من لقاءات سابقة... وكذلك كان بين الموجودين رئيس نادي النخبة. الذي وضع تاج ملكة جمال نادي القمة على رأسها...
الجميع تمنوا للعروسين أطيب التهاني.
تشكرت سحر صديقتها من أجل الهدية محبسي الخطوبة، حينها سألت زوجة المدير لماذا لا تضعين المحبس في اصبعك؟
قالت سحر: لن اضع المحبس في بنصري دون حضور أهلي، رغم تخوفها الشديد من عدم موافقتهم على استقبال لويس...
سأل مدير نادي القمة سحر هل اعجبك سور الصين، حينها تذكرت سحر بانها لم تتشكر هذا الرجل كما يجب، لذلك استغلت كلماته الرقيقة، لتتشكره بشكل حار ورقيق.
علقت الصحفية الاعلامية قائلة، هناك فلم انتجته الصين بالمشاركة مع أمريكا حول هذا السور الضخم، الفلم يلقى رواجاً كبيراً في سوق السينما...ارجو أن تشاهديه أنت ولويس أكيد سينال اعجابكما.
قال لويس: الغريب ان الصين حققت تقدما متميزاً في عالم الصناعة، حتى قاربت أن تسحب البساط الأحمر من تحت اقدام الأمريكيين، وأظن بأن العالم سيعترف بتفوق الصين العالمي عما قريب، والواقع أضحت الصين اليوم المنافس الأول للسوق الامريكية، لكنها لا تزال بعيدة في مجال الفن السينمائي الذي تتمتع فيه أمريكا، ولو إن السينما الامريكية فقدت حالياً مصداقيتها في العالم، بعدما تدهورت من سينما الثقافة والفكر إلى سينما تسعى لاهثة خلف شباك التذاكر...
قال وزير الصناعة: رغم ابتعاد العالم الأمريكي والغربي عن تلمس سينما الصين ولكنها ستنمو وسوف تنافس السوق العالمية، لأنها سينما جادة هادفة تحاكي الفكر لا الغرائز. ولدينا الامكانات الكبيرة.
قالت سحر: السينما في العالم الأسيوي مثل الأفلام الهندية وبعض الدول الأخرى، رغم ضعفها من النواحي الفنية والإنتاجية، لكنها تحمل بين طياتها بعض المشاعر الإنسانية الجميلة.
جاءت خادمات المطعم إلى الطاولة حينها توقف الحديث.
والخادمات أخذن يوزعن الصحون على الطاولة الكبيرة...
كاتب الرواية: عبده داود
إلى اللقاء بالحلقة 13
الراغبين بقراءة حلقات سابقة هي متوفرة للجميع في (مجموعة يوميات مضيفة طيران)