(((( قراءة في الأعمال المصرية
خلال العقود الثلاثة الأخيرة ..)))))) (٢)
قد يتملكنا في كثير من الأحيان إحساس بعدم الارتواء أو الشبع رغم أننا نظل نتناول أخلاطا لاحصر لها من المأكولات والمشروبات ، ثم تقبل ليلة نتناول فيها وجبة بسيطة مثلا قطعة من الجبن الأبيض مع البطيخ .. فنأكل ونشبع ونتجشأ ..
ذلك يحدث لنا تماما عندما نظل نغشى المنتديات الأدبية و نظل نسمع وننصت , ونظل نجامل ونتصنع الإعجاب إلى أن تحدث لنا صدمة تفيقنا من كل تلك الجعجعة عندما تحتوينا قصيدة لم نسمع في روعتها منذ عقود أو نعيش قصة أو رواية تظل حديث الأسمار .
وأهل الفن يرون أن الإبداع لا حد له , وليس لأي شخص أو حكومة أو أي جهة رقابية أن تتدخل بالمنع أو بالحذف أو بالتوجيه ..
ولقد مرعلينا عهد كان تناول الأعمال ذات المغزى الأخلاقي والمضمون العميق أمرا لايعتد به في المحافل والمسابقات التي يدعى لها , فيفاجأ المبدع الشاب الذي ظن أنه قدم عملا جديرا بالاحترام أن عمله هذا لايساوي شيئا, بينما كان الذي يحصد الجوائز ويجني المراتب الأولى ما كان عمله يعتمد على تابو الجنس مثلا أو الشذوذ أوالانحطاط الأخلاقي . فما كان يطلق عليه البعض إنحطاطا يراه آخرون قمة الإبداع .. كما ادّعوا أن التحرر من الموروثات هو ذروة التنوير , فرأينا الاجتراء على المقدسات .. و الموروثات بل وصل للتجرؤ على الذات الإلهية نفسها .. كما تفننوا في تعرية المرأة و التركيز على إلهاب المشاعر وجذب القارئ بتصوير لحظات الشبق بكل تفاصيلها وألفاظها ..
وبالنظر لمعظم الأعمال الروائية الممثلة خلال السنوات الحالية, وحتى السيناريوهات المرشحة للتمثيل نجدها في مجملها تتبنى تلك الرؤية : ( الجنس ..المخدرات ..البلطجة ) : على أساس أن الأدب شيء مغاير فليس له علاقة بالوعظ .. او النصح .
ولا أحد منا يختلف أن لكل منا دوره في بناء هذا المجتمع و له إسهامه بحيث يدفع إلى الرقي والتحضر والتنوير وكل له طريقته في التعبير .. فرجل الدين مثلا يوجه إلى الأخلاق والفضيلة وإحسان العبادة لله الخالق .. والمعلم يشكل العقول ويوسع أفق التفكير لدى طلابه و يرمي إلى نفس الغاية من الأخلاق والفضيلة.. وكذلك المهندس إذا لم يراع مقاييس الجمال في رسوماته وتخطيط مبانيه التي يصممها فماذا قدم إذن ؟ والأدباء كذلك ـ وعلى رأسهم الشاعرـ إذا لم يكن لكل منهم إسهامه في تربية الذوق وتنمية المشاعر الإنسانية فما الجدوى من إبداعهم إذن؟
ياصديقي إذا لم يكن للفن رسالة تنوير فلاداعي منه إذن ..
#محمد الخميسي _