مشاوير 90…
——————
مر الليل ثقيلا على صدري ..كم وددت ان تشرق ألان.أريد أن أرى الطرقات والمسارب الضيقة التي أفضت بي الى عوالم المجهول .أريد أن أرى المروج الخضر وهي تحيط بخاصرة القرية .مراتعي على أرخبيل السياح .أين صنع لنا والدي كوخ الصفيح بعد ان هجرنا الداموس الى جوار سيدي محمود .اريد ان أتحسس رمل الغابات .واسلك دربي القديم وانا أردد قصائد جدي على بن عبدالرحمن بمجرد ان اصل ضفاف الأودية الغويطة وهي تمد اخاديدها في كل إتجاه.كنت أجلس في الديوان أستمع فقط لم يقوله والدي للحاج مبروك .هذه البقعة غالية على قلوبنا لم يفلت من شراكها إلا أنت ياحاج .هكذا قال والدي والحاج مبروك ينظر الى السقف .هل تذكر كيف كنا ننصب الفخاخ للطليان .كفار أولاد الحرام .وفجاة يرد الحاج بضحكة مدوية ثم يقول ولكنهم اطعمونا لحم الحلوف وشربنا الخمر من كؤوسهم دون ان ندري .يومها قال لنا سي سليمان .لقد كفرتم ولن تزوركم الملائكة أربعين يوما .وبعد ان مرت الايام تلو الايام تعلمنا الصلاة وكفرنا عن ذنوبنا .
فجأة ألتفت والدي وقال .ها هيا اخبرني كيف كانت رحلتك القصيرة الى عالم المدينة .هل استمتعت بالشوارع المعبدة وشممت روائح الطعام في الطرقات .هل اعجبك البحر .والسفن الراسية واخري تشق العباب في انتظار صافرات الترحيب وهي تقترب من الشاطئ الابيض .انا دخلتها قبلك ياولدي .ومررت بما مررت به . انت وحيدا دائما طالما جعلت من نفسك مدافعا عن وطن في مجاهل الغيب .هل وقفت على الفوارق بيننا وبين هؤلاء الناس .لا تنظر الي الحاج مبروك .لأن ارادته سلبت منذ ان فكر في بناء بيت هناك .هل رأيته وهو يرتدي سروال البوطويل وقبعة السعف الاصفر .هل شاهدته فرحا وهو يعبر سوق الحوت وينتقي افضل الاسماك .والدي يقول .ناديت يا حمد هوه فات الدكاكين غادي..اللي ضاق خبز المدينة ماعاد يالف بوادي ..عمك الحاج منذ ان كان طفلا لم يزور ارض الفريش ولا تماسله التي كنا نقطعها معا ونحن نسوق امامنا قطيع الماشية في اكتشاف رهيبه .أنظر اليه الان انه ينتحب في داخله .
لم أرد عليه والدي يقول كلاما كبيرا .وانا لازلت صغير .الحاج مبروك واولاده ولدوا بين الحوائط المتلاصقة.وأنا ولدت في جوف الارض .امامي الكثير لأتعلم مثل والدي .الذي امضى نصف عمره رحالا وانا يوم اكتشفت الطريق المعبد الذي تمر فوقه السيارات كاد ان يغمي علي .حتي حين مرضت اعلنت العرافة أنني كمن يعيش في جوف ثعبان .هناك فرق كبير .وانا وقفت على بعض من هذه المتناقضات التي ساهمت في اتساع الهوة بيننا …
————————-
على غالب الترهوني
بقلمي