( ستمضي بك الأحلام )
معارضة لقصيدة الجواهري
( صحو بعد سكر )
بقلم : جاسم الطائي
-----------------------
لئن أطبق الليلُ البهيمُ فأجرما
فغلّقَ آفاقاً وبعثرَ أنجما
ونالَ من العينينِ ما كان يبتغي
لجمتَ فؤاداً فاسترابَ وأحجما
وما زالت النَّبْضاتُ تعتصِرُ الأسى
تَجَرَّعُ من أوجاعِها الكأسَ علقما
ستَمضي بكَ الأحلامُ مثلَ دُعابةٍ
وتحفلُ فيما تزدريهِ تجهُّما
وما نالَ منكَ الحبُّ إلاّ على بلى
فما نلتَ منهُ ما رميتَ وقد رمى
تدورُ رحى الأيامِ في غيرِ مرةٍ
كأنَّكَ فيها قد حييتَ لتَسقما
فما للأماني تستفزُّكَ مرغماً
لو انّكَ ألجمتَ الفؤادَ فأحرَما
وأمسكتَ عن طيشِ الصبابةِ والهوى
ولاتَ زماناً كنتَ فيهِ مُتَيَّما
أحاورُ ظلِّي كي تَضِلَّ نهايتي
وأسألُهُ ألّايخورَ فيأثَما
أما للهوى لو كان كلّي لبعضهِ
لأمسى الذي أمضيهِ عيشاً مُنَعَّماً
وخيرُ صحابي بعدَ طيفِكَ وَسْنةٌ
لأنعَمَ فيها إن هجَرتَ مُكَرَّما
فلا نلتُ حظاً من ضَنينٍ على النوى
ولا أنا ممَّنْ هابَ سهماً فأَحجَما
على أنني أشكو الزمانَ وجَورةً
وكم مِن شكاةٍ قد كتَمتُ لتَسلَما
فلستُ وإنْ فاضَت لواعِجُ صَبوةٍ
بِمَن أعجَزَتهُ الروحُ قلباً مُرَجَّما
أعاني وخِلاً والأماني عَصِيَّةٌ
أبَيتُ على رؤياهُ إلاهُ مَغرَما
فما كلُّ حظي غيرَ بعضِ صدودِهِ
وكم لامَني فيه عذولٌ مُتَمتِما
فللّهِ دَرُّ الشامِتينَ وما أرى
وجرحُهُ أضحى في فؤادِيَ مَعلَما
كنبعٍ جَرى لم يوقفِ الدَّهرُ نزفَهُ
كعمرٍ أراهُ كم يَمَلُّ تبَرُّما
ومِثلُ الذي تُبدي على كلِّ حالةٍ
كمِثلِ الذي أضنى الفؤادَ فَهَمهَما
كمثلِ التي ماجَت بروحي كعاصفٍ
لتذروَ ما تذروهُ من غَبرةِ الحِمى
وما لربيعِ العمرِ إلا غرورُهُ
فلاتَ زماناً أن أكونَ مُحَكّما
ولم أرَ يوماً من فَضائلِ صبوتي
سوى بعضِ تيهٍ والمشيبَ وقد همى
برمتُ حِبالَ الودِّ شِعراً مُنمَّقا
فما صنتَ عهداً أو سمِعتَ لأَسلَما
ولكنني والنائحاتُ بَكينَني
رجوتُ لِعُمرِي في هواكَ تَصرُّما
خليليَّ ما للبدرِ يحفلُ خافقاً
ظلوماً إذا ما البينُ أضنى فقَوّما
أراهُ على ذي الحالِ يطرِقُ حيرةً
ويرمي بظهرِ الغيبِ سراً مُعَوَّما
فهل بثراهُ ما بقلبي من الأسى
وإني وإياهُ شتاتاً مُلَمْلَمَا
أراهُ وقد فاضَ الأنينُ بخافقي
فمن للخطى إن غابَ يوماً فأظلما
أظنُّكَ ما أظلَمتَ إلا تَصبُّراً
وليسَ بِخافٍ ما تبوحُ مُطمطِما
فأطلقْ بلحنِ الآهِ أغنيةَ الأسى
ولا تبتئِسْ فالعمرُ يمضي ترَنُّما
أما ورهينُ المَحبِسينِ وقد نعى
تنافرَ أضدادٍ وجَمعاً مُكوّما
لَكَم أدمَعَتْ عينُ الأسى لِمسرّةٍ
وكم تَأتَسي عَينُ المسرَّةِ مِثلَما
فإنْ ضاقَت الدنيا برحْبِ سمائِها
رنوتَ الى خَلقِ البديعِ مُعَظِّما
وقلبُك إذ يَلقى تباريحَ عاشقٍ
إلى سطوةِ الأيامِ أمرَهُ أسلما
فكُنْ يا رفيقَ الوجدِ صوتي لطالما
أصَبِّرُ نفسي حين أسمعُ مُلهِما
فأقوى على ذي الحالِ لا زلتُ
ناثراً
قريضي كما الزهرِ النديِّ مُنَمْنَما
وليسَ بخافٍ ما أرومُ فلم يَدَع
ليَ الليلُ مِمَّن يرقَبُ الشُهْبَ مُغرَما
أخوضُ غماراً للقوافي عَصيَّةً
فأنْعِمْ بها عِلْماً وأنعِمْ مُعَلِّما
لئنْ أعرَضَتْ دنياكَ في حَدَثانِها
وعزَّ مقيلٌ في هدوءٍ وقلّما
تَجَشَّمْ لها من عنفوانِ عزيمةٍ
وجَلْداً لها ما عشتَ فيها لتَسلَما
لِكلِّ جَهولٍ أو حسودٍ مَطِيَّةٌ
تصولُ وما نالَتْ على الدهرِ مَغرَما
ولم يعِ هذي الروحَ جمعٌ بأنني
أراني على الميدانِ كالبرقِ مُقدِما
(لساني وسيفي صارمان كلاهما )*
أرَكِّعُ آفاقاً وجيشاً عَرَمْرَما
إذا قلتُ راحَ القولُ مني مُجلجِلاً
فصفّقَ في الآفاقِ صقرٌ ونَغّما
ولا كنتُ والبحرُ الطويلُ وسيلتي
إذا لم يَرُمْ مني اليراعُ تَعلُّما
ويشهدْ بأني كالمحجةِ في الورى
لينهلَ مني كلُّ ظامٍ مُكَرّما
فإني وإن فاضت دموعي زكيةً
سأروي بها حوضَ الفراتين زمزما
-------------
*١: تضمين من بيت لحسان بن ثابت
د٠جاسم الطائي