قصة قصيرة ...
رَحَى
انتظر طويلاً على شاطئ الأمل ومع ذلك مازال يبذر حبات الأماني والأحلام. ولا يجني إلا الوجع والخيبات. طفح به الكيل. سئم الانتظار. يتنفس بحسرة .يستنشق دخان سيجارته والمرارة تذوب بحنجرته المبحوحة م̷ـــِْن كثرة الصراخ والعتاب.
تأمل حال أبنائه العاقين
الذين فرقتهم رياح هوجاء.فهي تارةً شرقية وتارةً غربية. وأغوت البعض من أبنائه الكرام جارته العاهرة فأطبقت فخذيها ملتوية عليهم كأفعى رقطاء تنفث بسمومهاالخبيثة. وتوغل أنيابها في أحشائهم لتكرّع قوتهم .
والبعض الآخر مدت لهم تلك المومس الداعرة
أطراف ثديها لترضعهم
التخلف والخيانة تتلقفهم بمخالبها .
ولم يبقى معه إلٱ أولاده الصغار يلتحفهم بردائه
يخشى عليهم م̷ـــِْن كيد إخوانهم.
كان لهم قصركبير تطل شرفاته على نهرين عظيمين وحدائق وأشجار نخيل سامقة وفي باحته نصب كبير يرمز للمحبة والسلام.
منقوش على جدرانه لوحات سومرية لايعرفون حلها ولافك شفرتها لأنهم ببساطة جاهلون بكل شيء . وبليلة
ظلماء شرعوا النوافذ والأبواب.
فسلب منهم أمام أنظار اعينهم وأذا الشمس تشرق عليهم بكوخ متهرئ الأضلاع لايقيهم م̷ـــِْن لظى الشمس المحرقة، ولا م̷ـــِْن وابل المطر.
حقول قمحهم يحصدها الغرباء،بمنجل مبتور. وبيادرهم تتقاذفها الأمواج .وأما (المرواح)1 فهي بيد شيخ كبير طاعن بالسن. انتزعه م̷ـــِْن صاحب الأرض ليغرس ثالوثه بخواصرهم عكس اتجاه الريح.
بعد أن يغربل القمح ويستخرجه م̷ـــِْن القش (التبن) .يعطي الحب للمرأتين العجوزتين تقلبهم بين حجري الرحى الصلدين يهرسانه ثم يعجنان الدقيق بدموع الأرامل والأيتام ويخبزانه بنار قلوب الأمهات الفاقدات.
ليطعم به أبناء جارته العاهرة وأبناؤه ينامون جياعا ..
إلا أن بعض الحب يتناثر رافضا أن يكون مصيره بين شقي الرحى. فيأخذ حفنة ليبذرها بشاطئ الامل لعلها تزهر وطنا .
1المرواح يقصد به المذراه يستخدم قديما لتصفية القمح م̷ـــِْن التبن
حيدر الفتلاوي