العراق الرابع/ بتوسع؟!!/2
عبدالاميرالركابي
مع القرن السادس عشر، دخل العالم والمجتمعات البشرية عموما طور تحقق "اللااضوية" النمط او الصنف المجتمعي المحجوب غير المدرك عقليا على مر التاريخ التصيري المجتمعي، بعد ما مر ت على العالم دورتان تاريخيتان كبريان، ساحتهماالاصل الموضع اللاارضوي الازدواجي، امتنع ابانهما على اللاارضوية الحضور كنمطية اعقالا وتحققا لسببين، تدني الطاقة الادراكية العقلية الانسايوانيه، وعدم توفر الوسيلة الانتقالية المادية، ماكان يقتضي انتقالة نوعية كبرى كانت بدايتها اوربيه، هي الالية، غير الممكن بنيويا تحققها في ارض الازدواج المجتمعي، معها دخل الانسايوان اخر محطات تفاعليته الاعقالية بظل المتغير الجديد، وصولا لتوفر الاسباب للانقلاب الادراكي في الارض المهياة بنيويا لمثل هذه النقلة، مثلما كانت اوربا مهياة من ناحيتها للتوفر على الانقلاب المادي الالي.
وبرغم الاهمية الاستثنائية للمتغير الانقلابي الالي، وماواكبه وتسبب به من نهوض وتسريع غير عادي للاليات المجتمعية ومنجز علمي رافق عملية النهوض الغربي، الا ان هذا كله ظل بالاحرى ناقصا ومحدودا بحدود، ظلت تقيده وتسبغ عليه مواصفات من غير طبيعته، عائدة بالاساس، ومن حيث المنطلقات الى ماقبله، والى هيمنة الزمن اليدوي ومقاييسه، ومرتكزات النظرة اليه، بما في ذلك، وفي مقدمته القول بان اوربا هي الموضع "الالوي"، او المهيأ الى جانب حدوث الانقلاب الالي بين جنباته على اعقال ماهو حاصل، باعتباره " النموذج" الواجب التكرار، ماحال دون ان تدرك اوربا ماهو حاصل بين تضاعيفها ببعده الاشمل ومنطوياته ودينامياته.
والملفت لهذه الجهه ان اوربا الحديثة الناهضة، تطبق مبدا التعاقب الانتقالي الاجباري بين نوعين من الانتاج اليدوي والالي، لكنها لا تاخذ بالحسبان مسالة شيوع وانتشار الوسيلة الجديده وانتقالها البديهي لبقية مجتمعات المعمورة، مامن شانه، او من المفترض ان يعطي الالة من حيث الاثر والنتائج، المزيد من اشكال التفاعلية المختلفة ربما عن التفاعل الاوربي ومجتمعيته الطبقية الكلاسيكيه، وهو ماقد ترتبت عليه توهمات كبرى من نوع القول باشتراكية روسيا بعد عام 1917، او الصين، لانهما اعتمدتا في انتقالها الالي، نظرية ماركس كحاجة تتطلبها اشتراطات الانتقال الالي في بلدان برجوازيتها ضعيفة، وموروثها الاستبدادي يمكن ان يوحي للنين دون وعي منه بسبب نوع انتمائه المجتمعي، بفكرة "الحزب" وهنا تتعاظم وطاة الايهامية الغربيه التي رافقت نهوضها الحديث.
ولايذهب الغرب الى اعتماد موقف وسياسة على مستوى المعمورة، قائمة على منطق البدئية بانتظار الانتشار واحتمالياته، بل ياخذ بمنطق فرض النموذج والحالة الاوربية كنموذج اوحد، مستغلا مامتوفر ومتاح له بفعل الاله من قدرات وطاقة، يستغلها في فرض منطقة ونموذجه، نافيا احتماليات الاختلاف البنيوي التكويني المجتمعي، ومايترتب عليها من ممكنات تفاعل مختلفه بازاء المتغير النوعي الحاصل، ولم يكن هذا المنحى ليعدم ظهور اشكال من التماشي، او الرضوخ للمنظور الغربي "التحديثي" النقلي والاستعاري، من نوع او شاكله ماعرف في المنطقة العربية ب " عصر النهضة العربية"، الذي تكفلت به كالعادة مصر وساحل الشام، بنفي كلي لاية احتمالية خاصة، او امكانية اسهام على المستوى العام في المتغير المستجد.
ونحن هنا بازاء منطقة هي البدئية الاولى اليدوية، وهي التي ارست اسس الاعقال في الطور الانتاجي الاول، كما انها كانت موضع الرؤية اللاارضوية السماوية الكونية التي اخترقت مجتمعات المعمورة، ومنها اوربا والشرق الذاهب الى الصين، وتوطنت بين تضاعيفها كمكون بنيوي يكرس درجة من الازدواج، لاكفكرة او تيارمن نوع الافكار والفلسفات، وهو ماقد عرف هنا ضمن اشتراطات ماقبل الالة، دلالة على ارتفاع مستوى الديناميات المجتمعية في هذا الجزء من العالم، قياسا بمقابله الاوربي وقتها، الامر الذي يسقط حتما امكان المقارنه بين الموضعين، بينما احدهما يتمتع بقوة حضور الالة، والاخر لم يدخل عالمها بعد، الامر الذي تسود عنه نماذج من الاستعمال المثيرللاستغراب يصل حد عدم التصديق.
لا مقارنه ممكنه بين غرب آلي، وشرق متوسطي يدوي، مايزال تحت وطاه الغلبة الاوربية بتوهميتها وضلالاتها، فالاسبقية تلعب هنا دورا فاصلا لحد احتمال نسيان اسبقية وبدئية قبلها، ربما تكرس على عكس مايعتقد لهذه الجهه، احتمالية اخرى تجيز الاعتقاد بان هذا الموضع من الكرة الارضية، قد يمتلك الاسباب اللازمه والضرورية، اكثر من اوربا، لمنح الانقلابية الاليه بعدها الذي تنطوي عليه، ووجدت لكي تصله، ويتحقق مع وجودها.
ابعد من هذا، لماذا لايكون ممكنا التفكير في استمرار عمل البدئية الاولى في ارضها، بحيث تكون الاله بالاحرى، هي الاستكمال الضروري التاريخي للبدء الاول الناقص، والذي ظل ينتظر التحقق عبر التفاعل المجتمعي الكوكبي، منتظرا الوسيلة الانتاجية اللازمه، والانقلاب الاعقالي مابعد الانسايواني، هنا تنقلب بحسب الاسس والمرتكزات السردية الالية، متحولة من الانسايوانيه الاوربية العاجزة والمنتكسه ازاء المتغير الالي، الى ماكان منتظرا، وصار اليوم اقرب الى الالحاح غير القابل للتغاضي تحت طائلة احتمالية الفنائية.
فالحاصل عالميا اليوم ومنذ منتصف الالفية الثانيه، اولا : انبعاث ثالث رافديني ازدواجي يبدا مع القرن السادس عشر من ارض سومر الاولى، هو بداية الدورة الثالثة التحققية، دورة توفر الوسيلة المادية التحولية، والمقاربة العقلية التفكرية الثانيه اللاارضوية، هذا بينما يحدث على المنقلب المقابل المتوسطي الغربي، الانقلاب الالي المنتظر، والحاصل بحصيلة التفاعلية المجتمعية على مدى التاريخ اليدوي التصيري، بعدما هيأت الدورة الازدواجية الرافدينيه بدورتها الثانيه، و صعودها العالمي الاقتصادي التجاري، اسبابه المادية، لينبثق في اوربا كبداية، تتم معها مصادرة الحدث الانقلابي، فتسبغ عليه مفاهيم ومنظورات انسايوانيه ارضوية، مخالفة لطبيعته ومنطواه الكوني التحولي.
اوربا بدات التحول الالي، وفهمته بناء لكينونتها ونمطيتها المجتمعية، فحصرت الحدث المنوه عنه فيها، وفي ما نجم عن حضور الاله بين ظهرانيها، بينما بدات من حينه عملية انتشار الالة على بقية مجتمعات الارض، لتاخذ بالاختلاف والتغير من حيث ردة الفعل والنتائج المترتبه على حضور الالة بناء للخاصيات ونوع الانماط المجتمعية، برغم سعي الغرب الاوربي، واصراره عل تكريس نموذجه، واستغلال فرصة البدئية الالية الحاصلة في ارضه، بالضد من طبيعة الحدث الالي نفسه، بعلاقته بالمجتمعات كعنصر من خارج العملية المجتمعية التاريخيه حصيلة الوحدة البيئية البشرية، هذا بينما فرض التصارع المجتمعي مع الالة على مستوى المعمورة على الاله ذاتها، مسارا من التغير والتحور، نقلها من شكلها ونوعها المصنعي الالي الابتدائي، الى التكنولوجيا الوسطى الانتاجية الحالية، ذهابا الى "التكنولوجيا العليا" المنتظرة اليوم بظل تزايد مظاهر الاختلال الشامل، بينما يطل على المجتمعات طور الانتقال الى "الانتاجية العقلية" بدل اليدوية الجسدية، ويبدا حضور العقل ومجتمعيته اللامجتمعية.
هذا بينما يتجه العالم نحو المزيد من الاختلال، وسيادة الفوضى والعجز عن التحكم بالشؤون الحياتيه، مع بد الانفصال بين وسيلة الانتاج ونوعها المتزايد الحضور مافوق الجسدي الارضوي، ونوع المجتمعيات الجسدية الارضوية التي ستفقد اسباب استمراريتها، الا بالثورة العقلية المفهومية الكبرى المواكبة للانقلابيه الكونية التي حل اوانها.
وقتها يبزغ العراق الرابع، وتطل بدئية اخرى مكملة لتلك الاولى، ذاهبه الى مابعد السكن الذي طال امده في الكوكب الارضي.