ها قد سفت رياح رمضان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصيام فريضة توسع الصدر من ضيق وظنك بمن يسعى لرحمة ومغفرة وعتق من النار ، تشذب ما علق وما ران القلوب من درن وتنابذ بهرجة الدنيا ونوالها الفاني فيسمو المرء في عين الله بالجزاء الاوفى، فالصيام يقوي ويديم الارادة البشرية وتنقية للنفس من شرورها فتدنو لصحوة فتصوم الجوانح والعين من نظر لمحرم والسمع عما يخدشه من توافه الاقوال والطرق لما لا يعنيك من افعال وقفل اللسان من زلل وتبصرا واستبصارا لذات النفس بعدما تصفد الشياطين بالاغلال والنفس تواقه لتلاوة كتاب الله المنجد لها . فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( القرآن شاف مشفع ، ما حل مصدق ، من جعله أمامه قاده الى الجنة زمن جعلعه خلفه ساقه الى النار ) وان رمضان يربي في أصحابه الخشية .. الخشية من الله تعالى, ورجاء ما عنده .. وقد نبههنا الله عز وجل بكتابه المحكم: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئاً، شهوتهم الماء. وقد قال الله: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف». ، فأكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف وغلب الحب، فالمحبة هي المركب, والرجاء حاد، والخوف سائق، والله الموصل بمنه وكرمه ، فأبشروا أمل من رب كريم وجواد رحيم .. تعرض لنفحاته, وسارع إليه بالخيرات تجد كريما عظيماً, خصوصا في وقت السحر, حيث هدأت الأصوات, ونامت العيون, وتقلب النوام على فراشهم .. هب حينئذ المؤمنون من وثير فراشهم وسررهم ليكابدوا الليل والتعب .. {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ومما رزقناهم ينفقون } كما قال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم, ومقربة لكم إلى ربكم, ومكفرة للسيئات, ومنهاة عن الإثم, ومطردة للداء عن الجسد» والقيام مع رمضان فرصة, وله فيه مزية «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».ولقد تفنن الأصحاب الكرام والسلف الفاضل في هذه النافلة, فمنهم من أمضى الليل راكعا, ومنهم من قطعه ساجدا, ومنهم من أذهبه قائما أو تاليا أو ذاكرا أو شاكرا..إن آخر الليل هو وقت نزول الرحمن جل وعلا إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله, فيجيب دعوة الداعي، ويعطي السائل، ويغفر ذنب المذنب التائب «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر, يقول: من يدعوني, فأستجيب له، من يسألني, فأعطيه، من يستغفرني, فأغفر له» ما أرحم الله وأكرمه.هذا في سائر العام، فما بالك برمضان شهر النفحات والهبات .. ولله من العطايا في رمضان ما ليس في دونه. فما أن ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد, وزادنا قليل, وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا, ونحن قد بقينا.لليل فرصة «إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» نحن نسيء كثيراً .. والزلل منا أكبر .. ورحمة الله أعظم .. وفي السحر تتجلى هذه الرحمة من العظيم الرحمن سبحانه.سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزال مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطئ ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا ،ألا, فإنه حري بنا أن نستغل رمضان في النجاة بقلوبنا وحياتنا؛ لنكون على منهج الله, إن الذي يخرج من رمضان, ولم يتلذذ بصيامه وقيامه, فأين هو من نفحات رمضان؟! إن الصيام والقيام دليل الحب الخالص لله تعالى فهنيئا لمن أحب الله ورسوله - حبا خالصا رائده الاتباع, وسائقه التزود ليوم صبحه ويوم القيامة .. اللهم, صلاحا وفلاحا على طريق محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام. والله, أعلى وأعلم, وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. واغتنم فرصة قدوم الشهر الكريم لنعطر مقام اخواننا بمنتدانا بدعوة خالصة للرب بقبولنا وان يبلغا الشهر الفضيل ويمن علينا برحمته ومغفرته وعتقه من النيران ان سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.
أبو مصطفى آل قبع