شقة مفروشة
أستيقظت فجأة من نومي على صوت مفزع للغاية لا يشغلني وقتها أن أتطلع لساعة الحائط المعلقة على أحد جدران غرفتي بل انتابني الفضول لمعرفة أبعاد هذا الصوت الذي تسبب في يقظتي وبالفعل نزعت عني الغطاء ونهضت من الفراش مسرعة اتجاه شرفة حجرتي التي تعلو ثلاثة مثلها وليتني ما أسرعت! فقد رأيت منظرًا بشعاً لا يستطيع قلب رقيق مثل قلبي رؤيته، ولكن قد حدث الأمر الجلل الذي تسبب حينذاك إلى التفات العديد من العيون الجاحظة إليه وقبلهم كانت عينيّ التي رأت ذلك الشاب الأسود اللون ،العريض المنكبين، الطويل القامة، مترنح على السطح الغير مسقوف بالعمارة المقابلة، لمسكني والدماء تسيل من رأسه وتندلق من فمه بغزارة وبدأ بعضٌ من الشباب في محاولة رفعه وفي نفس اللحظة صك إلي مسامعي أصوات من البعض يؤكدون لي كيف سقط هذا الشاب على سطح تلك العمارة التي تبلغ من الأدوار اثنين غير ذلك السطح الذي التصق جسده به وكأنه يحتضنه ، سمعتهم يقولون أنه كان في حالة سكر بيّن. نعم فقد أكد ذلك من قاما برفعه إذ لاحت على ملامحهما مظاهر الاشمئزاز من رائحة فمه الكريهة مما جعلاهما يهتفان معا في ذات الحين: ( إيه ده دي ريحة خمرا الله يقرفك).
وقبل أن ينجح الشبان في النزول به إلى أسفل العمارة، كانت فرقة الشرطة وسيارة الإسعاف أمام العمارة، وربما لو لم يكن خطيبي ماهر من ضباط الشرطة وأحد متساكني العمارة، لتأخّر حضورهم كما جرت العادة.
بعد معاينة الجثة، اتّضح أن روح صاحبها قد فاضت إلي بارئها ، وظل الناس يهتفون لماهر خطيبي ….
(هو كده اصلا يا باشا صاحب لمؤاخذة ازازة)
الجميع أجمع على نفس الجملة وكأنهم ملقنين لقولها ، مما شد انتباهه وجعله بكل سخريه يقول : يا سلام بقا هو صاحب ازازة ..! طب وصاحب الازازة ساكن فين أصلاً ؟!
رد عليه أحدهم قائلاً بصوتٍ مختنق :
أنا يا ماهر يابني صاحب العمارة إللي هو ساكن فيها .
التفت ماهر إليه وهو رافع حاجبيه وجاحظ العينين قائلا في دهشة :-
عم ( زكي) ..! الواد ده ساكن عندك في عمارتك أنت …! وأنت من أمتى بتسكن مفروش وكمان أجانب؟!
تدخل ضابط الحملة التي أتت من خلال إستدعاء ماهر الشرطي قائلاً بنبرة عالية :- وعم زكي فين عمارته؟!
رد زكي بنبرة مختنقة قائلاً :- أنا ساكن في العمارة إللي لازقه في العمارة دي يا بيه وراح يشير بيده للضابط على مكان العمارة مؤكدا بأن ذاك الشاب الأسود يقطن معه في نفس العمارة ولكن بالدور السادس الذي يرتفع عن البناية الموجودين فيها بثلاث أدوار
اقترب ضابط الحملة من أذن زكي وهمس قائلاً :- وتفتكر وقع إزاي؟!
هتف الرجل بكل ثقة قائلاً :- وأنا مالي يا بيه أسأل صحابه إللي ساكنين معاه
اقترب الضابط منه ثانية وفي همس قائلا:-
صحابوا …! هو الواد ده شكله مش مصري صح ولا أنا بيتهيألي ..!
عاد الرجل لأهتزازه الأول وقال في خوف شديد وبنبرة مرتعشة :-
اه يا بيه هو من ……. وكمان صحابوا.
راح الضابط يعلي من ضحكاته ثم سكت فجأة وهو يوجه وجهه لزكي مرة ثانية وبصوت حاد قال :-
هما فين صحابوا دول
ارتعد الرجل من شدة الخوف منه، وتصببت جبهته عرقا وأخيرا رد بحروف متلعثمة :- مش عارف يا بيه هما المفروض معاه فوق ساكنين
لوح الضابط بيديه له طالبا منه إحضار جوازات سفرهم ليتعرف على شخصياتهم وأمر أحد العساكر بملازمته لأنه أجابه بأنهم في شقته وليست بحوزته الآن، وقام ضابط الحملة وماهر بالتوجه إلي شقة ذاك الأجنبي بعد أن ترك رجال البحث الجنائي لاتخاذ إجراءاتهم البحثية ورفع كل ما يساعده على معرفة سبب تلك الواقعة وعرفت بعد ذلك من ماهر خطيبي أنهم قد أضطر كلاهما إلي كسر باب الشقة لعدم تواجد أحد بها وبأنهما ظلا يجولان ويصولان في حجرتها إلي أن صك إلى مسامعيهما بعض التنقير
فأتبعا كلاهما ذلك الصوت بدقة شديدة إلي أن وجدا أنفسهما أمام سرير أحد الحجرتين فمال بنصفيهما العلوي ليستكشفا ما تحته فوجد كلاهما أنثى مربطة رباط محكما يصعب فكه وفمها محكم بلاصقٍ فأسرع ماهر في سحبها بلطفٍ شديد ثم أخذ ينزع عنها الأربطة و اللاصق وأخذت هي تصرخ وتنوح وتتأؤه قائلة :-
اغتصبوني الكلاب ولما حاول يمنعهم شربوه بالعافيه وبردوا رفض يقرب مني فراحوا راموه من البلكونه وهربوا
وقص عليّ ماهر أيضًا أن صاحب العمارة عجز عن تقديم جوازات السفر لأنها بالفعل ليست بحوزته من بداية تسكين هؤلاء الأجانب فقد اغروه بمالهم الوفير نظير قضاء ليلة واحدة أو حتى كما ذكرو له ( لحد طلوع النهار بس وهنمشي على طول ) فهم يتحدثون العربية بطلاقة كما قال العم زكي ولذلك فقد تغاضى عن أخذ أي أوراق رسمية تثبت شخصياتهم وهو لا يعلم أنهم كانوا يريدون البقاء بشقته المفروشة لقضاء ليلة حمراء مع ابنة ليل مستأجرة والتي غافلوها هي الآخرى عندما تفاجأت بعددهم الخمسة واستكثرو عليها بعددهم والتهموا جسدها وكأنه وليمة لذئاب جياع وإلي اليوم هم طلقاء ولم يعثر عليهم بعد وصاحب العمارة يقبع وراء القضبان يدفع عنهم ثمن جريمتهم.
#هبة_فرج_محمد