حزام ناسف ...قصة قصيرة
محطة القطار مكتظة بالركاب و من ينتظرون أحد القادمين و الباعة الجائلين على أرصفة المحطة فهو وقت الذروة من إنصراف الموظفين العائدين لمنازلهم و كذلك أصحاب المصالح الذي إنتهى يومهم و هم في سبيل عودتهم لبلادهم باختلاف أشكالهم وهيئاتهم فالأصوات تتشابك و تتداخل حتي تحسبها طنين الذباب.
كل مشغول بهمه فمنهم من يقف تبدو عليه علامات الإنتظار و آخرون يتبادلون أطراف الحديث و منهم الجالس و الواقف و من يستند بجسده المتعب على أحد جدران المحطة و كل القطارات بين قطار يصل و أخر يغادر و قطارات تنتظر ميعاد الرحيل دقائق من الضوضاء و الإطراق أحيانا عندما ينادون لميعاد القطار القادم وصولاً أو مغادرةً.
فقط شاب نحيل يبرز من بين الجميع و إن كان ليس أطول الموجودين و لكنه كثير التلفت يبدو عليه القلق و الارتباك يتتبع بعينيه دائما كل الواقفين على المحطة ممسكاً بطنه بيده كأن السترة التي يلبسها ستسقط من عليه فهى بلا أذرة مفتوحة و لكنه يطبق جانب منها على الأخر بزراعيه .
كلما زاد الوقت زاد تلفته و إرتباكه و أخذ يتصبب عرقاً فيحاول أن يهديء من نفسه فيمسح عرقه بذراعه الأيمن و يلتفت بسرعة عند سماع بائع " الحاجة الساعة " يمر بجانبه ...
: "حاجه ساقعععععععععه"
يمسكه بسرعة من زراعه فينظر إليه بسرعة واضعاً الجردل من يده : حاجه سقاعة يا أستاذ؟
يبتلع نفسه و يشير إلى زجاجة " السيفن أب"
فيتناولها البائع و يعطيها له بعد فتحها.........:
إتفضل يا أستاذ ٢ جنيه و و٧٥ قرش لو سمحت.
يشربها على مرة واحدة كأنه قد نال منه العطش و مازال مطبقاً بيده اليسرى علي سترته ليناوله الزجاجة الفارغة وويعطيه عشرة جنيهات كانت في جيبه الأيمن.....:
" مفيش فكه يا أستاذ؟؟؟"
يحاول مد يده في جيب السترة الداخلي ليخرج ٣ جنيهات قد وضعها في جيبه هذا الصباح بقية أجرة التاكسي الذي أحضره للمحطة و لكن مازال البائع واقفاً أمامه ينظر ماذا يفعل و لم لا يفتح سترته ليخرج النقود بطريقة طبيعية
فتنفرج السترة عن وسطة و هو يحاول إلتقاط النقود من جيب سترته الداخلية.
يلتقط البائع "جردل الحاجة الساقعة " و ينطلق من أمامه مبتعداً عنه حتى دون أن يأخذ منه الثلاثة جنيهات و كأنه رأى شيئاً مرعباً....:
"حزام ناسف... حزام ناسف ....حولين وسطه"
يرتبك الناس و يجرون في إتجاهات مختلفة حتى كاد البعض ليدوس بعضهم الأخر و تعلو صيحات التحذير و صراخ النساء و الجميع يجري إلا حيث لا يعلم يدافعون كقطعان الماشية و الناس يلتفتون مسرعين في خطاهم حتى لا يعلمون مصدر التحذير و هو مازال فى مكانه قابضاً على سترته بيده و الأخرى لم ترتد بعد لمكانه ممتدة ليعطي البائع ثمن " السفن أب"
يهم بالركض هو الآخر فهو يحاول الحركة و الركض كالآخرين قابضاً بكلها يديه على بطنه إلا أنه بجد نفسه طريح الأرض فقد قفز عليه رجل مقيداً ذراعيه و هو يكد يغمى عليه و يتغير لون وجههه بالصفار و كأن ليس به نقط دم واحدة يأخذ نفسه بصعوبة و كأنه يختنق ببطأ.....:
"متفجرش الحزام حرام عليك؟؟؟؟"
و هو يحاول أن يستجمع نفسه ليتساءل عم يتكلمون أو ماذا يحدث يجد نفسه محاط ببعض رجال البوليس و المخبرين السريين، يقلب نظره على الأرصفة المجاورة ليرى الناس يركضون خارج المحطة و البعض ملقى على الأرض ينظر إليه و قد ملأه الرعب قسمات وجوههم جميل و كأنهم ينتظرون الموت.
ليقطع هذا الصمت وسط الهروب و الصراخ و الجري في كل الاتجاهات صوت الشاب .........:
حزام أيه ؟؟؟؟؟ حزام ابه؟؟
ينهض الرجل من فوقه ليقف ببطأ و ألم يظهر على وجهه و يفتح سترته في غضب و مازال الألم يعتصره ليتكشف عن جهاز عبارة قلب صناعي يحمله المريض معه في أي مكان و أي وقت فلا يستطيع أن يحيا بدون يقوم بعمل القلب في الحفاظ على الخياة.
تتساقط دموعه و كل رجال الأمن حوله ينظرون إلى بعضهم البعض و مازال الناس يتدافعون إلى خارج المحطة للنجاة من الحزام الناسف ليخلفوا واراءهم عشرات الجرحى قد داسوهم تحت الأقدام و جهاز اللاسلكي .......: إفادة عن الموقف حالظابط حسين؟؟؟
يتلفت الضابط إلي زملائه و إلى الشاب و يجيب على الفور .....: من عدمه يا أفندي، بلاغ كاذب.
الشاب لا يكاد تحمله ساقاه و يكاد يسقط إلا و يحمله رجل من رجال الشرطة و يجلسه على أحد مقاعد الإنتظار لتشق صفارة القطار القادم إلي رصيف الإنتظار يستند على إثنين حتى يقعداه في مكانه بعربة القطار و الأسف و الإعتذار لا ينقطعان و هو يردد......:
"حزام ناسف أيه يا باشا دا قلبي يا ناس "
و مازال ثمن " الحاجة الساقعة " في قبضة يده
أخيراً صافرة القطار معلنا المغادرة و الحياة تعود الى طبيعتها و كل الركاب على الأرصفة ينظرون إلى القطار و كأن الحزام سينفجر فى أي وقت و الضابط حسين ملوحاً له و القطار يغادر مسرعا من المحطة و هو يلقى نظرة أخيرة على الرصيف و يتنفس بعمق و يمسح وجهه بكفيه و كأنه كان كابوساً مرعباً:
"السلم عليكم يا باشا"
" مع السلامه يا أستاذ خلف و أسفين جدا"
أيمن فوزي