يوميات مضيفة طائرة
الحلقة 9
عذاب الحب
سحبت سحر الرسالة من حقيبتها وقالت لم تعد تعنيني كلمات ذئب قتلته ودفنته في الصين. لكنها تفاجأت بعنوان الرسالة:
إلى الأخت الغالية سحر،
استغربت سحر عنوان الرسالة، الأخت الغالية مما جعلها تتجمد...
كتب: أنا آسف لم أستطع أن انتظرك بالفندق، لأنه جاءتني برقية من دمشق بوجوب حضوري الفوري. أخبروني: زوجتي في المستشفى، وقد تعثرت ولادتها.
بالمناسبة هذا هو ولدنا الرابع، رزقنا الله جورج صبي صار في السابعة، ثم ابنتان سمر وحنان والآن ستأتينا ابنة وسنسميها هند، زوجتي هي حبي وحياتي وسبب سعادتي...
الحقيقة سحر لامت نفسها كثيراً على الشتائم التي نعتت بها لويس، وقالت هو مخلص لزوجته، هو لم يخدعني كما انا تصورت، وقد وصفني بأخته الغالية...
استرجعت سحر كل الكلمات التي سمعتها من لويس كلمة، كلمة، حرفاً، حرفاً، لم تجد بينها كلمة واحدة قالها صراحة أو تلميحاً عن حب يكنه لها بقلبه... كل ما فعله هو الهدايا الثمينة التي اهداني إياها، وأنا اتلفتها بغضب وعصبية مريضة، ربما كانت تلك الهدايا هي أجور ترجمة الكتالوجات الفرنسية التي وعدنا بها لا أدري... يا رب سامحني على ذنبي وتسرعي ونفاذ صبري...أنا تصرفت برعونة...
لامت سحر ذاتها، وقالت ربما نظرات لويس الدافئة هي التي تسللت إلى قلبي المتجمد، واعادته إلى الحياة... مثلما تتسلل شمس الربيع في الصباح الباكر إلى اجسادنا الباردة...
تحولت تلك الثورة على لويس، إلى عتاب عنيف على ذاتها، لكن هذا الانقلاب، أضرم نار الحب من جديد في قلبها، لكنه الآن أضحى حباً محرماً...
هو كتب لي بأن زوجته هي كل حياته‘ فكيف اسمح أنا لقلبي أن يعشقه ويحبه... أين أخلاقك يا سحر؟
عليك أن تجتثي لويس من قلبك وفوراً.
استقبلت هدى أختها في المطار
لمحهما الكابتن سليم، جاء وسلم بحرارة على هدى وحملهما تحياته إلى والديهما وإلى الأبونا ميشيل... وقال: اسعدني التعرف على عائلة محترمة، والدليل الساطع أمامي سحر وهدى...
ذلك المساء، جاء الأب ميشيل لزيارة صديقه أبو سحر ومن جملة أخباره قال: اليوم بكت دمشق على رحيل شابة تحت العملية القيصرية، اصابها نزيف قوي، لم يتمكن الأطباء من السيطرة عليه، توفت تاركة لزوجها اربعة أولاد صغار...ولسوء الحظ، كان زوجها في الصين، ارسلوا بطلبه وجاء على الفور، عندما وصل إلى المستشفى، كانت الزوجة تحتضر قالت له كلمات قليلة، امانتك الأولاد يا لويس وفارقت الحياة...
سحر وهدى كانتا تسمعان حديث الأبونا...
غادرت سحر مسرعة إلى غرفتها وغرقت في بحر من الدموع، هدى لحقت بسحر، وجدتها تنتحب ودموعها تسيل على وجنتيها، لاذت بالصمت، ثم أحضرت لأختها كأساً من الليمون...
قالت سحر لا بد لي من تعزية لويس... استغربت هدى.
قالت سحر: أقرئي هذه الرسالة، بعدما وصلتني لمت ذاتي وكم تعذبت على تسرعي...
لويس سكن كياني، والآن بعد وفاة زوجته بت أنا المسئولة عنه، وعن أولاده الأربعة.
قالت هدى، يا اختي ما هذا الذي تقولينه، هذا مستحيل، هؤلاء أربعة أطفال، اكبرهم بالسابعة من العمر والبنت في الحاضنة، لست مجبورة على تحمل هذا الأمر، لن تقدري على تحمل هذه المسؤولية الضخمة. كيف ستدبرين امرك...اطفاله بحاجة إلى عناية أنت لا تقدرين عليها...ولا أظنك ستتركين عملك الذي تعشقينه لتتفرغي لتربية أطفال المرحومة؟
قالت سحر، هذه معركتي أنا... الأولاد سيكونون اولادي أنا.
لكنني لست متأكدة بعد إذا كان لويس يحمل حباً لي كحبي له، هو لم يصارحني ابداً، ولو أنني أحسست بخفقان قلبه ونظراته التي ترمقني بنظرات تفضح ما يكنه لي من مشاعر حميمة، ربما هي نظرات اعجاب بجمالي لا حب، لم أعد ادري...
لا بد سأذهب واعزيه، هذا واجبي بالتأكيد، قلبي حزين ينفطر عليه، كيف سيتحمل كل هذا الألم؟
قالت هدى المصيبة ستحدث لو علم أهلك بالأمر، وما يخفيه قلبك من حب سيصابان بالسكتة القلبية دون نقاش...
في عشية اليوم التالي، ذهبت سحر واختها، وقد عرفتا من أوراق النعوة المعلقة على جدران مداخل الكنائس مكان العزاء...
تفاجأ لويس بحضور سحر، لكن ابتسامة محبة ارتسمت على ثغره، سحر بصورة عفوية وتلقائية، احتضنته وقبلته بحرارة، ودموعها انهارت على خديها، هدى تمتمت ببعض الكلمات وذهبت هي واختها وجلستا في الصالة الكبيرة التي تغص بالمعزين.
تفاجأت الاختان بوجود أبونا ميشيل بين الموجودين، كما هو استغرب وجودهما...
عند مغادرتهما قالت سحر إلى الأبونا، غداً في المساء بعدما أعود من رحلة قبرص سأمر عليك...
سحر أدركت بـأن مصاب لويس هو مصابها، ومن غيرها يجب أن تقف إلى جانبه في محنته، قالت: إذا كنت أنا لا أقف إلى جانبه، سيكون حبي له مجرد وهم لا معنى له...الحب مسئولية وعطاء وتضحية... وأنا من يجب عليها أن تضحي وتنقذ هؤلاء الأطفال اليتامى...
في اليوم التالي صباحاً كانت العائلة تحتسي القهوة في حديقة منزلهم، قالت الأم سأنزل الى السوق لأشتري لوازم الغذاء، الأسعار لا تزال تتصاعد يوما، بعد يوم
تذكرت سحر ظرف المال الذي اخذته من مدير المعمل وقدمته إلى والدها.
قال الأب مستغرباً هذا المبلغ يعادل راتبي لمدة عام كامل...
ردت سحر وقالت هذا بفضلكما، ألستما أنتما من أدخلتمانا بأحسن المدارس...
خلال الرحلة إلى قبرص صارت طلبات الكابتن سليم كثيرة، وغير مبررة، يطلبها من سحر تحديداً... لذلك عندما كان يرن جرس الكابتن عند المضيفات، جميعهن ينظرن إلى سحر، حتى هي تقوم بالواجب لأن الكابتن سليم، لم يكن يطلب أحدا معيناً بالاسم، لكن الآن يطلب سحر حصرياً...
الكابتن يطلب كأساُ بارداً، الكابتن يطلب فنجان قهوة، الكابتن لا يطلب شيئا، الكابتن يسأل عن وضع المسافرين...في الحقيقة سحر لم تكن معه اطلاقاً، غالباً شاردة الذهن، تعيش مع لويس الذي ملأ قلبها حباً والماً ومسئولية قررت أن تحملها بمحبة...
حطت الطائرة في نيقوسيا، قال الكابتن: سنعود بعد خمس ساعات، هل نزور العاصمة؟
قالت دلع بخبث، نحن نعرف نيقوسيا، دعونا نذهب إلى مدينة قريبة لا نعرفها...
وهكذا قرروا الذهاب إلى ليماسول واحدة من مدن قبرص الهامة، استأجروا سيارة (ميكرو باص) قال الكابتن أنا السائق، وسحر ستجلس بجانبي حتى تتمتع بجمال الطريق...
نظام السير في قبرص مختلف، لا تزال السيارات تسير على يسار الطريق. وبرغم إن سحر سائقة ماهرة كانت مرعوبة من حركة السيارات المعكوسة...
الرحلة بين نيقوسيا وليماسول بحدود الساعة. لكنها ممتعة وساحرة بجمال الطبيعة الخلاب...
الذي لفت نظر سحر في ليماسول الاعلام الثلاثة المرفوعة، العلم الإنكليزي، والعلم اليوناني، والعلم التركي...وليس فقط الاعلام، انما الاحياء بحد ذاتها ترشد السائح إلى هوية الحي، سيدرك تلقائياً جنسية الحي...هذا إنكليزي، وهذا يوناني، وهذا تركي...
اثناء العودة إلى دمشق، كان الهاجس الوحيد الذي يدور في ذهن سحر، ما الذي ستقوله إلى الأب ميشيل حتى تكسبه إلى صفها...كانت تتساءل
كيف سيقنع أهلي بأن ابنتهم عاشقة لأبو أربعة أولاد...
كاتب القصة: عبده داود
إلى اللقاء بالحلقة العاشرة
(مجموعة يوميات مضيفة طيران) متوفرة مجاناً لمن يود قراءة الحلقات السابقة...