رمضان أهلاً
شعر: صالح أحمد (كناعنة)
///
رمضانُ أهلاً...
أمَّتي نامَت .. وتصحو أنتَ مِن وَسَطِ اللَّهيبْ .
رمضانُ أهلاً ...
ما شَكا جرحي..
ولكنّي أغارُ على النَّحيبِ مِنَ النَّحيبْ .
رمضانُ أهلاً...
طفلتي اُعتَصَمَت بِصَدري ...
واُتَّكا طِفلي على قَلبي ...
وجافاني الوَجيبْ .
وصَحَوتَ أنتَ ..
وعِشتَ فيَّ ...
ولن تَغيبْ .
رمضانُ أهلاً...
أمَّتي نامَت ...
وما نامَت حجارَةُ قُدسنا ...
تستصرِخُ الدَّهرَ الأصَمَّ ... ولا مجيبْ !
غُصِبَت شآمي ... واستُبيحت مصرُ ...
فانتَصَبَ اللِّئام ْ .
هاجَ الخِضَمُّ على الخِضَمِّ...
اليومَ يُختبرُ العِظامْ .
ماج الزحامُ على النِّيامْ ...
وأنا رَكِبتُ الموجَ للموتِ الزُّؤامْ .
الليلُ والبيداءُ ما عادت لِتَعرفَني..
وأنكَرَني السّكارى والنِّيامْ .
رمضانُ أهلاً...
أمتي راحَت لِكَهفِ ظنونها .
وكأنَّما ضُرِبَت على آذانِها .
فلا صُراخُ القدسِ هَزَّ شعورَها !
ولا جراحُ الشام هزّت قلبَها!
ولا دِما صنعاء أحيت وَجدَها !
ولا نيوبُ الرّومِ أدمَت روحَها!
ولا شُرورُ القوطِ قَضَّت نَومَها!
رمَضانُ عُذرًا...
أمَّتي قد أسلَمَت للَّيلِ كُلَّ شُؤونِها ...
وغَدا ظلامُ الليلِ كَهفَ قلوبِها..
وغدا سِتارُ الليلِ سَرجَ جُنونِها ..
وغدا سوادُ الليلِ سِترَ عيونِها ..
وغدا سكونُ الليلِ عَصفَ شُجونِها ..
وغَدَت رِياحُ الليلِ عَزفَ لُحونِها ..
ومِنَ الدُّجى قَبَسوا سوادَ ظُنونِهم ..
نَسَجوا عَباءَةَ مَجدِهم ...
غطّوا بها شَمسَ الضُّحى ..
وقد استَحَبّوا وارِفاتِ ظِلالهِا ..
لن يسألوا بغدادَ عن أحزانِها !
لن يسألوا عمّا ذوى من مجدِها !
لن يسألو عن جُرحِها ... عن دَمعِها !
لن يَسألوا عن قَهرِها!!
لن يسألوا .. من ذا يُدَنِّسُ خِدرَها ؟!
من قامَ يكشِفُ سِترَها ؟!
من جاءَ يَغصِبُها عروسَ المَجدِ رايَةَ مَجدِها ؟!
رمضانُ لُطفًا...
لا تُعاتِبْهم ... فهم...
لن يَخرُجوا للشمسِ..
تَحرِقُهم طهارَةُ نورِها !
لا تَدعُهم ..
لا.. لن يُلَبّوا دَعوَةً للحقِ .. يسَطَعُ نورُها .
لا تَدعُهم ..
الشّامُ لا تُخفي حقيقةَ أمرِها .
قاموا يَقيسون المسافَةَ بينَ ما تَحكي ..
وما هُم يَكتُمون .
ويُجَسِّدون على جلُودِ طفولَةٍ هَجَعَت ...
عظيم الفرقِ بينَ براءَةِ الفجرِ... وليلِ الظالمين .
قاموا يَقيسونَ المَسافَةَ بينَ من وَقفوا بنورِ الشمسِ؛
لا يلوون عن طلبِ الحقيقةِ...
واُرتِشافِ نَدى البُطولَةِ ...
رغمَ ما في الكونِ من قَفرٍ ...
ومن عُجفِ السِّنين .
وبينَ من لاذوا بظِلِّ عَباءَةٍ ...
لا تَستُرُ العيبَ ...
ولا تُخفي الظُّنون .
رمضانُ ذَرهُم...
يحسبونَ المَجدَ أُغنِيةً.. وأُمنِيةً ...
وليلاً .. كم تمنَّوا أن يَطولَ ...
فَيَسلمون .!
رمضانُ دَعهم..
لم تَخَف بغدادُ يومًا من مُهاجِمِها ...
ولا هانَت عَزائِمُها ...
ولا دانَت لِظالِمِها ..
بِعَزمِ رجالِها صنَعت مواقِفَها ...
بِحَدِّ سُيوفِها صانَت مَعالِمَها ..
فأضحَت شوكَةً في حلقِ حاسِدِها .
والقُدسُ سل أيامَها عنها ...
فلا التَّتَرُ ... ولا الإفرنجُ...
نالوا من مكانَتِها .
رمضانُ أيامُ الصّفا تحكي:
جبالُ الشّوفِ لن تَنسى دَمَ الحُرِّ
ولا بيسانُ قد تَنسى صَدى العِزِّ
ولا شامي سَيبقى العُهرُ يحكُمُها
ولا قدسي سَيبقى الحزنُ يخنُقُها
ولا قومي سَيبقون بغَفلَتِهِم
رمضان من صبري ...
دع الدنيا تعلمُهم ...
بأنّا لا نَزال بها دعاةَ الخيرِ والتَّقوى .
رمضان صبرًا ...
إننا لا نَطحنُ الأحزان؛ لا...
لا نزرَعُ الشكوى؛ ولا..
لا ننكِرُ الواقع ...
لا نشعِلُ النيرانْ .
رمضانُ صبرًا قد دنا فجري...
وغدًا ستشرِقُ في الدُّنا شمسي..
سينيرُ للأحرارِ جُرحِيَ ...
في فلسطينَ البطولةِ ..
في صفا النّيل العظيم
رمضان صبرًا ..
زُلزِلت أرضُ المساوِمِ ...
وانقضى عمرُ المقامِر ...
أُشرِبَت أرضُ المجامِرِ أدمُعي..
فتقدَّموا يا إخوتي فوقَ اللَّهيبِ... وصَفِّقوا للنّائِمين .
فهنا يصيرُ المشرقُ المنفِيُّ أُغنيةً يُردِّدُها الجريح.
رمضان صبرًا ...
أشرقت شمسي ... ولكن من بعيد.
من مغرِبٍ قد أشرقت ..
مُذ عانَقَت نَزفَ الأشاوِسِ في مَحاريبِ الصُّمودِ ...
فَشَعَّ طُهرُ الأقحوان .
رمضانُ مهلاً..
لم تسافر أمتي خلفَ الأبابيلِ ونامَت ...
حطَّ طيرُ الصِّدقِ فوقَ ذُرى حَلَب.
رمضان مهلاً ...
ضُمَّني ...
نَفَحاتُ عِشقٍ لا يفيقُ سوى على شَرَفِ الرجولَةِ.
ذُرَّني ...
وَعدًا بميلادِ الأصالة...
شُدَّني ..
نحوَ التِحام الصِّدقِ في دَفْقِ الصُّمود.
رمضانُ ما هُنّا...
ولكنّا تعلمنا نشيدَ الصائِمينَ على ذُرى الإيمانِ في "أوطاننا" ..
نَزفًا ... وعيد.
رمضانُ مَهلاً ...
قل لهم ...
بصمودِكم إخواننا ...
عُدنا..
وعادَ المجدُ يرسِمُ نَزفَنا..
فَجرًا ... وعيد.
::: صالح أحمد (كناعنة) :::