غرام الملوك
قصة قصيرة
نيسان 2021
أخبرني صديقي فرنسيس الذي تخرجنا سوية في جامعة مدريد قصة حبه قال:
كانت من عادتي التنزه في حديقة الروتيرو القريبة من غرفة سكني.
أعود في المساء، أحضر قهوتي، وأجلس خلف جهاز الكومبيوتر، أطالع أخبار السياسة والعالم
وأقرأ كتابات أصدقائي، أعلق على بعضها، وأراجع تعليقاتهم على كتاباتي.
الذي لفت نظري يوماً، اسم فتاة أخذت تعلق على جميع ما أكتبه وتظهر إعجابها الواضح بما أكتب تحت أسم الملكة.
أردت أن أعرف من تكون تلك الملكة... صورتها الشخصية جميلة جداً، فتاة تبدو في الخامسة والعشرين من العمر...لا يوجد اصدقاء مشتركين بيننا. لكنني لاحظت عدداً كبيراً من المعجبين المعلقين على كتاباتها، هذا جعلني أصدق بانها شخصية فيس بوك حقيقية.
كانت تعليقاتها المستمرة الداعمة لكتاباتي تلفت نظري. بعدها أصبحنا أصدقاء، وأصبحت ألج صفحتها الشخصية، بدت لي في صورها. فتاة جميلة بالفعل، كما تأكدت من إنها خريجة جامعية، وإنها فتاة ثرية، بدليل الأماكن والفنادق التي تظهر فيها في مختلف صورها.
تساءلت كثيراُ من تكون هذه الملكة، وماذا تريد مني ومن أين تعرفني؟ اسم مستعار، ولكنه أعجبني...
نمت مشاعر الحب بيننا وتصاعدت وأضحت مقروءة بين السطور.
وبتنا نمضي ليالينا مع القمر حتى السحر...
هي رفضت أن تصرح لي باسمها الحقيقي، ولا مكان عملها، ولا حتى رقم هاتفها. أو عنوان سكنها...
بينما أنا كشفت لها أوراقي بشفافية بأنني موظف بسيط في مؤسسة القطارات في مدريد.
بصراحة الملكة غزت قلبي وأضحت هاجس حياتي.
تابع صديقي قصته وهو يسترجع ذكرياته وقال: كنا نتستر على مشاعرنا وعواطفنا خلف قصائد شعراء الغزل، ونقول لبعضنا كلمات الحب المخبأة خلف كلامهم...
تجرأت وسألتها أن تقبل أن ترافقني إلى أحد النوادي التي هي تختارها هي حتى نودع سنة تحتضر، ونستقبل سنة جديدة تولد...
هي قبلت الدعوة، وأنا طار صوابي من الفرحة...وأخذت أحسب وأنتظر ساعة اللقاء.
في الموعد ذهبت إلى العنوان الذي أخبرتني عنه، منطقة جديدة لم امر فيها يوما، ولم أصدق عيناي بان هذا هو العنوان الصحيح...قصراً شامخا تحيط به الحدائق الجميلة. والأشجار الوارفة.
وقفت أمام مدخل القصر محتاراً مستغرباً، وقلت بصمتي هذا مقلب شربته، وقررت العودة خائب الرجاء. أخذت كلاب القصر تنبح بشدة، ظهر حارس الباب سألني من أكون، وماذا أريد؟
قلت للحارس لا شيء، لا شيء، أنا آسف لا اريد شيئاً...لكنني أخبرته باستخفاف أنا أبحث عن ملكتي لكنني اضعت العنوان.
سألني الحارس: هل حضرتك السيد فرنسيس؟
قلت مستغربا مندهشاً نعم أنا هو.
قال الحارس الملكة بانتظارك، تفضل بالدخول... خادمة ظهرت في المدخل. وقالت سيد فرنسيس، تفضل بالجلوس هنا، الملكة ستنزل في الحال
لا اريد أن أصف لك حالة الذهول التي اصابتني، القصر الفخم، والنفائس واللوحات الفنية التي تزين البيت. والذي شد انتباهي هو صور وثائقية لرجال عسكريين معروفين شاركوا في المعارك الأهلية الاسبانية، التي انتهت بانتصار الجنرال فرانكو ربيع 1939 أدركت حينها إن هذا الثراء الكبير سببه المال الذي سرقه الضباط العسكريون وتجار الأزمات من الناس اثناء الحرب الأهلية الاسبانية.
نزلت الملكة من الطابق العلوي، حينها رأيت جمالاً انثويا فاتناً لم أر مثله سوى في مجلات الجمال...
قلت لذاتي أين أنا؟ وكيف لي أن ارافق هذه الملكة، وإلى أي نادي سأصحبها... وهل يوجد نادي في دنيتي يليق بهذا الجمال، وهل من المعقول أن أعزمها إلى أي مكان؟ طبعاً هذا غير لائق بل هذا مستحيل... وأخذت افكر كيف أعتذر حتى أهرب من ورطة دببت فيها ذاتي، هل أقول لها توفت جدتي وسأذهب للعزاء، وكم مرة أنا يجب أن أموت جدتي وأذهب لأقوم بالواجب...
الملكة فاجأتني وقالت مرحبة لا تنسَ أنا من سيختار المكان... هذا هو شرطنا؟ هيا بنا.
كنت أنظر إلى الأرض يملؤني الخجل، غير قادر ان أنظر في عينيها...لذت بالصمت، لكنني كنت أطلب النجدة من الله أن يساعدني في إيجاد الاعتذار المناسب حتى أهرب من الذهاب إلى أي مكان مهما كان.
لكنها قطعت حبل تفكيري وقالت اصعد السيارة...هيا بنا.
لا تقل فخامة السيارة عن فخامة القصر، قالت هذه سيارة أهلي الذين طاروا يزورون بيت جدي وأنا رفضت الذهاب معهم لأنني على موعد معك.
وقلت يا مصيبتي الكبيرة، هي على موعد معي...
أوقفت الملكة سيارتها بجانب الحديقة التي أتنزه فيها غالباً، أنا استغربت الأمر.
قالت الملكة أتدري يا فرنسيس، أنا شاهدتك هنا أول مرة في هذه الحديقة، رأيتك تهرع لنجدة سيدة عجوز سقطت على الأرض، انت ساعدتها واوصلتها إلى سيارة اجرة، ثم دفعت للسائق لقاء توصيلها... ومنذ ذلك الحين قررت التعرف بك لأنك أعجبتني... وأخذت اتردد إلى هنا كثيراً اراقبك وأنت تسير تتنزه وأحسست بمعاناتك، لكنني عرفت كم قلبك كبير... وكم أنت مختلف، وابتسامة رضى لا تفارق حياتك.
سألت عنك خفية، حتى عرفت عنوانك، ووجدتك على صفحات الفيس بوك، وكنت أحلم لقاءك واليوم تحقق حلمي والتقينا...ما أسعد هذا اليوم في حياتي.
تابع صديقي وقال: قررت أنا أن أقطع صلاتي مع الملكة، التي أصرت أن تعرف أسباب ذلك التحول، أنا لم أعد أرد على رسائلها ولا ازهارها...
وأخيرا تحت الحاحها، بحت لها بالأسباب الحقيقية، وقلت أنت ملكة بامتياز...أما أنا من طبقة الشعب المعدمة، لا يمكن لنا أن نلتقي في الحياة، معدنكم غير معدننا، وثوبنا غير ثوبكم.
نحن من طبقة أنتم لا تنتمون إليها، لا تعرفونها، أنا أحياناً أنام بدون عشاء، حتى اوفر مالاً لأشتري قميصاً، أو حذاء، بينما أنتم... بكت الملكة... ومسكت يدي وقبلتها والدموع تساقطت عليها، وقالت أرجوك أن تسكت...
ثم قالت الملك هو من يعمل الذي أنت عملته مع تلك العجوز، وليس من يملك نقوداً مهما عظمت...أنا عشقت أخلاقك، ولم أعشق اموالك...أنت الحبيب الذي أرغب أن أعيش عمري معه...
وأرجوك أن تعرف أنا اود أن أعيد الأموال التي سرقها جدي اثناء الحرب إلى أصحابها، وأنت واحد من الشعب وهذه الأموال تعود لكم وليست لنا...
بعد شهور انتقل فرنسيس من غرفته المتواضعة، ليصبح زوج الملكة، وليصبح اسمه الملك.
ولا بد ستعود الأموال المنهوبة والممتلكات إلى أصحابها الشرعيين. بعد إجراء محاكمات نزيهة عادلة.
كاتب القصة: عبده داود