الصداقة والحرية،
أحضر أبني لنا طيراً أصفر اللون يسمونه الكناري، محبوساً في داخل قفص جميل ذهبي، وقال سوف تستمتعون بزقزقته، ويؤنسكم حضوره. وفعلا هذا ما كان، كانت زقزقته أشبه بفرقة موسيقية متناسقة الأداء، رائعة الألحان...
وهبناه مكاناً مميزاً في بيتنا. وصرنا ننفذ التعليمات التي أفادنا بها العارفون، حول احتياجات هذا الغريب وطلباته المميزة الغريبة عنا من الأطعمة.
أمور كثيرة لم نكن نعرفها في الماضي، في الواقع لم تكن لنا تجربة مع الطيور سابقاً. لكن عندما سكن عندنا هذا الوافد الجديد، أحببناه بالفعل، وزادت اهتماماتنا به، لدرجة إننا تقيدنا بكامل الشروط اللازمة التي تعلمناها من المهتمين بتربية الطيور...وبالحقيقة زاد عدد افراد اسرتنا عنصراً جديداً.
والجديد في الأمر، هم أحفادي الذين كادوا يطيرون فرحا، بوجود هذا الطائر الأصفر، ويطلبون منا أن ننزل القفص الذهبي المعلق ونضعه امامهم على الطاولة ليجلسوا حوله يراقبون حركاته باهتمام شديد، يرافق فرحتهم هرج ومرج وتصفيق عند كل حركة أو زقزقة يقوم بها صديقهم الطائر.
أدرك أحفادي قدر الاهتمام والخدمات التي نحيف بها طائرنا، الضيف العزيز، فأسموه المدلل. وتعودوا بان ينادونه بذاك الاسم "المدلل"
كانوا يصفرون ويغنون معه محاولين تقليد صوته. وحاولوا التواصل مع ذاك المطرب بكل وسائلهم البريئة الطفولية.
كانت فرحة أحفادي الكبيرة هي زيارتنا، أو بالأحرى زيارة الطائر صديقهم... وكانوا يمانعون بالعودة إلى منازلهم. حتى أهلهم يضغطون عليهم للعودة، كانت السلامات والقبلات بالهواء إلى صديقهم العزيز، ولم ينسوا توصيات جديهما بالاهتمام بالطير صديقهم المحبوب، كانوا يأمرونا ألا ننسى أن نطعمه ونعتني به جيداً. وكم تمنى أحفادي أن يسمح لهم أهلهم بالبقاء عندنا، حتى لا يتركوا صديقهم الجديد وحيداً. وكم طلبوا منا أن يأخذوا ذاك المدلل ضمن قفصه معهم لمنازلهم، أو حتى إلى روضاتهم.
جدتهم وعدتهم بان تهديهم في اعياد ميلادهم طيراً لكل واحد منهم... ببساطة هي اوجدت لهم هماً جديدا في جدول الحساب، وتقويم السنة... مما جعلهم يحفظون ايام الأسبوع، والأشهر، وتتابعها منتظرين حضور أعياد ميلادهم...
حفيدنا الصغير كان يسألنا عن موعد عيد ميلاده، رغم إننا احتفلنا بعيد ميلاده من ايام قليلة...
وزوجتي، التي لا تحب الطيور، أحبت هذا الكناري، وصارت تسأل عن أنواع الحبوب التي يحبها المدلل وتحضر ما يسعده ويحبه...
بينما أنا كنت أتساءل كوني أحبس حرية هذا المسكين الذي لا تهمه القصور لكنه أكيد يحب الفضاء، يحب الحرية، وكنت أعيد تساؤلاتي هل هناك أثمن من الحرية؟ أيهما الأفضل له أن يغادر ويواجه كل المخاطر وصعوبات الحياة، أو يبقى عندنا عزيزاً مكرماً...ينعم بالحياة المرفهة، وأصدقاء حقيقيون يدللونه...
وأخيراً أجزمت بانه سيعود لا محال، وفتحت له باب السجن الذهبي، حتى اثبت نظريتي، أيهما أفضل الحرية أم القفص الجميل؟
فتحت باب القفص، حينها غرد الطير الحانا رائعة، لم أسمعها منه خلال وجوده عندنا. طار بعيداَ، انتظرته طويلاً، كنت متأكداً بانه سيعود، ربما يراعي دموع زوجتي لفراقه، ربما يشتاق إلى أحفادي الذين لم يعودوا يحبون زيارتنا...
لكن الكناري لم يعد، لأنه وجد الحرية...وجد حياته وكرامته...
كتب القصة: عبده داود